[b]جزائريو المخزن!
[/size[/b]][/b][/size]
يتحدث صاحبنا عما يدعيه أنه ملف يخص مخابرات المخزن وحربها على الجزائر، ولما نحاول أن نقرأ هذا الكلام نجده أقرب إلى حديث العجائز منه إلى حديث الصحفي والباحث والخبير، ليقرر نتيجة مغلوطة وكاذبة كون كل من يدافع عن الوحدة الترابية هو مخزني تدفع له السلطات المغربية مبالغ مالية مقابل خدمته، وكل من يدعو للانفصال – حسب رأيه الغريب- هو مناضل مهضومة حقوقه من لدن نظام المخزن وصحافته ومواقعه الالكترونية ومدوناته وكل من يتحدث عن الوحدة الترابية للمغرب، ويذكر أسماء لبعض الانفصاليين على رأسهم أميناتو حيدر. صاحبنا هذا لا يفقه شيئا في ثقافة المخزن، المخزن هو ثقافة ضاربة أعماقها في جذور المغرب كما تحدثنا في مقال سابق بعنوان " الاستعارات المخزنية التي نحيا بها". والمخزن ثقافة يتوسل بها النظام المغربي في عملية الإخضاع والتعبئة والاستقطاب كما يتوسل بها كذلك المجتمع، سواء كان مدنيا كما نلفي في بعض منظمات المجتمع المدني التي تنتقد النظام المغربي وتصفه بالمخزن، وهي محقة في ذلك، في مقابل ذلك تتوسل بنفس الثقافة المخزنية في عملية الاستقطاب والتعبئة والخضوع أيضا، أو سياسيا كما نجد في جل الأحزاب السياسية المشبعة بثقافة المخزن إلى درجة التخمة.
أميناتو حيدر التي يصفها صاحبنا بالمناضلة المدافعة عن حقوق الصحراويين هي مخزنية إلى أخمص قدميها، وسليلة عائلة مخزنية ضاربة في عمق أدغال الصحراء من أمها وأبيها معا، فهي لم تعش الحرمان والفاقة كما أبناء شعبها، ولم تتعرض للاقصاء والتهميش كما المواطن المغربي العادي، لأنها امرأة فوق العادة، فأبوها جندي مغربي، وعمها كذلك مخزني فهو باشا، وخالها يعمل في وزارة الداخلية وهو والي مدينة الداخلة، وجدها من أمها هو فيضل ولد العروسي، وخالها قائد، وخالتها برلمانية عن حزب مخزني، ولا يوجد أحد من أسرتها في مخيمات تندوف، إلا اثنان من أبناء عمها بشر حيدر وهو رجل مخزني ووحدوي، والآخر توفي مع الوالي مصطفى على التراب الموريتاني، وهو حرمة حيدر، علاوة على أن قبيلتها إزركيين قدمت البيعة للمغرب واعتمدها المغرب للتدليل على مغربية الصحراء من المحكمة الدولية في لاهاي، كما أن هذه المناضلة الانفصالية والحقوقية المسماة أميناتو حيدر ازدادت وعاشت في أقا نواحي طاطا لما كان أبوها موظفا هناك ويخدم المخزن، ولم يسبق لها أن عاشت الحرمان الذي يعيشه المحتجزون في مخيمات تندوف ولا عاشت الحكرة كما تعيشها الأغلبية الساحقة والمسحوقة من المغاربة....هذا مثال بسيط جدا ولو شئنا لتحدثنا عن شخصيات أخرى في العيون وطانطان تأكل الغلة وتسب الملة، تعيش من أموال دافعي الضرائب وبعضهم تم توظيفهم بشكل مباشر ودون مباراة للتوظيف على حساب حاملي الشواهد من المغاربة في الوسط والشمال، ومنهم من لا زال يأكل ويشرب ويعتاش من حوالة أشبال الحسن الثاني.
ليس كل من يدافع عن الوحدة هو مخزني كما يحاول أن يشيع صاحبنا، الوحدة عند الإنسان المغربي المسلم، أمازيغيا كان أم عربيا هي فطرة مركوزة في التكوين النفسي لهذا الإنسان المغربي المسلم، ناهيك على أن الشريعة الإسلامية الغراء أكدت على مشروع الوحدة بين المسلمين، ولا داعي للتذكير بآيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة يجمع عليها جميع المسلمون بشتى طوائفهم ونحلهم، ولا غرو أن نجد أن القبائل المغربية في تاريخ المغرب المخزني كانت تنشب بينها وبين الجيش النظامي معارك طاحنة، ومع ذلك حافظت على نظام البيعة للسلطان المركزي صاحب هذا الجيش، بمعنى أنها حافظت على الوحدة الإسلامية بالرغم من الأخطاء السياسية التي كان يتم تصريفها بالمواجهة في بعض الأحيان والحوار أحيانا، كما أن الوحدة هي مطلب واقعي واستراتيجي، فلا يعقل أن تتحالف الأمم التي لا يجمع بينها دين عظيم كالإسلام، ولا لغة وثقافة موحدة، ومع ذلك تتوحد وتصنع أحلافا قوية في التجارة والتعليم والمعلوميات ..الخ.
وإذا كان صاحبنا يذكر مفهوم المخزن في سياق الإدانة والتسفيه، فإن الجزائريين استفادوا من هذا النظام أكثر من غيرهم وفي أقسى مرحلة مر بها الشعب الجزائري وهي الاستعمار الفرنسي عام 1830، فلما استعمر الفرنسيون الجزائر حلت بالمغرب جموع وأفواج من الجزائريين مكونة من علماء وأدباء وحرفيين وأطر إدارية وعسكرية، أطلقت على نفسها اسم "المهاجرين" ارتباطا بالخلفية الدينية التي تشكلها الهجرة عند المسلمين والمرتبطة بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. وقد كانت هذي الهجرة بدافع صدور فتوى تبيح الهجرة للقادرين عليها، لأن الجزائريين ،بحسب هذه الفتوى، تحولوا بعد الاستعمار الفرنسي لبلدهم إلى دار حرب وأن المغرب هي دار إسلام خاضع لسلطة سياسية يمثلها السلطان يسهر على ضمان وسلامة المسلمين وتأديتهم لمختلف شعائرهم.
ولما هاجر الجزائريون إلى المغرب لم يشعروا بأي تمييز بينهم وبين سائر المغاربة، حيث كانوا يسكنون في مختلف الأحياء بالمدن المغربية، ويملكون المنازل التي يقطنونها، ويمارسون أنشطة اقتصادية ووظائف إدارية وتعليمية إسوة بإخوانهم المغاربة. كما دخل البعض منهم إلى الإدارة المخزنية مثل آل المقري جد الدكتور عبد الكريم الخطيب الذي بقي يخدم المغرب إلى أن توفي يرحمه الله، كما استُخدم بعض المهاجرين العسكريين في الجيش المخزني وخاصة الطبجية والبحرية وأصبح بعضهم معلمين لعسكر النظام المخزني، وكان من عادة السلطان عبد الرحمن بن هشام التبرع بمبالغ مالية على الموظفين المخزنيين.
وبموازاة احتضان النظام المغربي آنذاك للمهاجرين الجزائريين كان يدعم المقاومين الجزائريين، ولا سيما أن قائدهم الأمير عبد القادر بويع بصفته خليفة للسلطان المغربي بالديار الجزائرية، بالرغم من الوعد الذي قدمه السلطان عبد الرحمان بن هشام للمبعوث الفرنسي Carles de Mornay بعدم التدخل في الشؤون الجزائرية للحفاظ على العلاقات السلمية مع فرنساـ فإنه بصفته أميرا للمؤمنين ومن منطلق التضامن الإسلامي، جعل من واجبه حماية دار الإسلام والمسلمين ومساندة الأمير عبد القادر بحكم أنه مقاوم وخليفته. إلى جانب هذا الدعم هو ما قام به بعض التجار المغاربة من أمثال محمد بنونة والحاج الطالب بن جلون الفاسي من مدينة فاس والتاجر محمد الدكالي في تسهيل عمليات شراء الأسلحة، خاصة من جبل طارق وإرسالها إلى الأمير، وأشهرها قائد في منطقة سوق الأربعاء الغرب يدعى محمد بن عودة. وكان الأمير عبد القادر يخاطب السلطان عبد الرحمان بالوالد ورسائله لا تنقطع عنه، وبعث له بالبيعة وكان يقول إنما أنا نائب عن مولانا عبد الرحمان بن هشام وأن السلطان المغربي كان يخاطبه بالولد البار. كما كان السلطان يشيد بمشروعه الجهادي ويتمنى أن يكون بجانبه، ويقدم له النصائح والإرشادات التي يراها صالحة للجهاد ونصرة المقاومين، ومن جهة أخرى كان العلماء المغاربة يساهمون في تدعيمه معنويا من خلال أجوبتهم على كل استشاراته التي قاموا بها بأمر من السلطان، كما حصل في سنة 1837 على يد الفقيه أبي الحسن على التسولي بعد توقيعه على معاهدة تافنة، أو في سنة 1842 على يد العالم الشيخ عبد الهادي العلوي.
كما تدخل النظام المخزني في التوسط بين الأمير عبد القادر في خلافاته مع زعيم القرغيلة مصطفى بن إسماعيل، والشيخ بن الغماري أحد زعماء الطرق الصوفية لقبيلة الدوائر والزمالة لإنهاء الخلاف وتوحيد صف المقاومة ضد جيوش الاحتلال، كما نصح السلطانُ الأميرَ في سنة 1836 بألا يعقد أية معاهدة مع فرنسا، بل حرضه عام 1837 على نقض معاهدة تافنا واستئناف الجهاد، وذلك بالرغم من الوعود التي قدمها مولاي عبد الرحمان للمبعوث الفرنسي الضابط Frederie de la Rue بإخراج المغرب من القضية الجزائرية، سواء في شقها المتعلق بدعم المقاومة الجزائرية أو في شقها المتعلق بمنع الجزائريين من الالتجاء إلى المغرب. الشيء الذي جعل فرنسا تبدأ في مشروع سبق أن وضعت خطوطه وزارة الحرب الفرنسية يتعلق ببناء مراكز عسكرية مقابل الأراضي المغربية بجامع الغزوات وللا مغنية وسبدو، تلاها احتلال المارشال بوجو لمدينة وجدة في يوم واحد، وإرسال الحكومة الفرنسية لأسطول كبير للضغط على المخزن بهدف إبعاد الأمير وقواته عن منطقة الحدود، قبل أن تقرر قنبلة مدينة طنجة في 6 غشت 1844، وبعدها قامت حرب إيسلي صبيحة يوم 14 غشت التي انهزم فيها المغرب.
وبالرغم من أن العلاقة ما بين المغرب والجزائر دخلت أطوارا جديدة بعد معركة إيسلي فإن جزائريي المخزن بقوا بالمغرب وسكنوا مدن وحواضر مغربية من الشمال إلى الوسط والجنوب، وامتهنوا عدة حرف من بينها الصحافة والإعلام وصدرت بالمغرب جرائد ومجلات بالعربية والفرنسية كان رؤساء تحريها جزائريين، واشتغل بعضهم في الفلاحة إلى درجة أن أصبح منهم ملاك كبار للضيعات الفلاحية بمنطقة الغرب كعائلة بن عودة في منطق سوق الأربعاء وعائلة الخطاب نواحي سيدي قاسم، والكثير من العوائل التي ملكت أيضا ضيعات بالمنطقة الشرقية في بركان ونواحيها، كما أن هؤلاء المهاجرين الجزائريين الذين أكرمهم المخزن، قد عملوا على تسهيل الاستيطان الفرنسي بالمغرب من خلال الصحافة والتجارة والفلاحة إسوة ببعض رفاقهم المغاربة في خدمة الاستعمار الفرنسي بالمغرب والجزائر. وهذا عمل " مقبول" وسنة في جميع الثورات ومقاومة المستعمر " ليميز الله الخبث من الطيب" والعراق في حاضرنا هذا خير دليل.
كما أن النخبة السياسية التي حكمت الجزائر بعد الاستقلال عاشت وتربت في مدينة وجدة وكان على رأسهم الهواري بومدين وعبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي للجزائر الذي كان اسمه الحركي عبد القادر المالي، درس في وجدة والتحق بجيش التحرير الوطني وعمره عشرون سنة، والده كان يملك حماما في وجدة، وبرز اسمه في أزمة يوليوز بين الحكومة المؤقتة وجيش التحرير الوطني، وشريف بلقاسم وقايد احمد واحمد مدغري ولعروسي خليفة، فيما تم إبعاد عبد الحفيظ بوصوف نظرا لتوتر علاقته مع هواري بومدين، فجماعة وجدة انضمت إليها أسماء أخرى مثل عبد السلام بلعيد واحمد طالب الإبراهيمي واحمد غزالي الذين أتوا من الاتحاد لعام للطلبة الجزائريين المسلمين .. وفرحات عباس الذي اختلف مع الحكومة المؤقتة فعاد إلى وجدة ليتحالف مع هواري بومدين قبل اللقاء بالدكتور عبد الكريم الخطيب.
فالجزائريون الذين لا زالوا يعيشون بيننا إلى اليوم، عاشوا بفضل المخزن ولا زالوا، ويكفي أن نذكر أن هواري بومدين ووزير خارجيته الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفلقية، وهما من جماعة وجدة، لما طردوا 45 ألف عائلة مغربية من الجزائر عام 1975 أو ما سموه بالمسيرة الكحلاء وجردوهم من كل شيء حتى من آدميتهم كان رد المخزن حكيما على الحسن الثاني يرحمه الله الذي لم يبادل جماعة وجدة التي تربت في أحضان المخزن بنفس العمل، ولم يطرد ولو جزائريا واحدا بل أغلبهم حصلوا على الجنسية المغربية مؤخرا.
إن استضافة المخزن للمهاجرين الجزائريين الذين قطنوا المغرب ولم يشعروا بتمييز بينهم وبين إخوتهم المغاربة بعد الاحتلال الفرنسي عام 1830،ودعمه للثورة الجزائرية وحرب التحرير الجزائرية، واحتضانه الجناح السياسي للثورة إلى أن حصل المغرب الأوسط على استقلاله لهو دليل على أن الجزائريين استفادوا من عطايا المخزن وربما قد يكون على حساب بعض الرعايا المغاربة كما يشهد على ذلك تاريخ نظيمة المخزن. ومن هنا يحق لنا أن نطرح السؤال أو ليسوا هؤلاء هم جزائريو المخزن ؟
واش الدبانة حرام ومصارنها حلال كما يقول المثل المغربي ؟!
.hespress