[color=blue]المغرب والجزائر : رحلة السلام تبدأ من تندوف
[size=18]سعيد هادف
الحوار المتمدن - العدد : 3157 - 2010 / 10 / 17
المحور : اليسار, الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي [/color]
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
مر هذا الصيف حافلا بالأحداث والكوارث، وما يمكن تسجيله
على هامش هذا الصيف الخلل الذي طبع المنظومة الإعلامية العالمية في تعاطيها مع بعض الأحداث؛ وهو خلل ليس بجديد، غير أن هذا الصيف كشف عن عطب هذه المنظومة وعدم مصداقيتها ونزاهتها وحيادها. المنظومة الإعلامية العالمية انكشفت عورتها انكشافا فاحشا لم تفلح في إخفائه أو تبريره.
أحداث شتى كان لمنطقتنا المغاربية قسط وافر منها، وهي بلا شك، تؤشر على تطورات عميقة سيعرفها المستقبل.
وأهم الأحداث التي استرْعَت الرأي العام المغاربي، وبشكل خاص، المغربي والجزائري، موقف مصطفى سلمة ولد سيدي مولود المفتش العام لشرطة البوليساريو، وهو موقف نوعي في مسار النزاع حول الصحراء؛ موقف أخلاقي لا يمكن وصفه إلا بالشجاع، وموقف سياسي ينم عن همة وتبصر، وكل من أراد أن يصنفه خارج هذا الإطار الأخلاقي، فهو والحالة هذه، يرفض أن يكون لقضية الصحراويين حل عاجل ولا آجل ولم تعد تعنيه مآسيهم ومعاناتهم. إن مقاطعة الصحافة الإسبانية لندوة السيد مصطفى لا تعبر عن المأزق السياسي الإسباني أمام تطور الأحداث فحسب، بل عن موقف يرفض حتى الإصغاء إلى صوت من يعنيهم الأمر، وهي بالتالي ترجمت من حيث لا تدري، تهافت موقفها وقوة موقف السيد مصطفى سلمة؛ أما الجزائر فبدون تعليق.
الحدث الثاني صنعه كريم مولاي عميل المخابرات الجزائرية، وقد أثارت اعترافاته جدلا كبيرا كما خلّفت صمتا رسميا عميقا، وبلا شك، ورغم الصمت الجزائري الرسمي، فإن هذه الاعترافات قد أحدثت زلزالا في الوسط الاستخباراتي والسياسي؛ وهذه الاعترفات لم تكشف جديدا، ولكنها أكدت ما راج منذ سنوات حول ضلوع بعض الفاعلين بالمخابرات في الأعمال الإرهابية، وهذا إن دل فعلى إفلاس السياسة الجزائرية وجوهرها المافيوي المعادي لمصالح الشعب الجزائري والمغاربي. ويبقى هذا الاعتراف ظاهرة صحية مهما كانت خلفياته وأسبابه.
الحدث الثالث صنعه المفكر محمد أركون الذي لم يزر الجزائر منذ ملتقى محيي الدين بن عربي بمدينة وهران سنة 1991، في تلك الأثناء، وفي حوار أجرته معه الجمهورية الأسبوعية، عن سؤال حول الغربة أجاب: "كلما أحسست بالغربة وآلامها، أقعد وأتأمل مليا تجربة عظيمة لرجل عظيم، وهي تجربة الرسول عليه السلام، هجرته من مكة إلى المدينة، أتأمل تلك التجربة التاريخية الكبيرة، وأعود لأتنفس من جديد وأطرد عن نفسي أسباب القلق (...) صحيح أنه عاد إلى مكة فاتحا ولكن فضل العيش بقية عمره في المدينة وقد قال في ما معناه "لا خير في أرض تطرد أبناءها...". إن محمد أركون الذي اختار الهجرة بعد الاستقلال لم يمثل حالة استثنائية فهناك كثير غيره وعلى سبيل المثال لا الحصر، جمال الدين بن شيخ والروائي محمد ديب (عاش بأوروبا ومات بها وأوصى أن يدفن في باريس)، والشاعر مفدي زكريا ومصالي الحاج وفرحات عباس (هؤلاء ماتوا في المنفى، ولدفنهم بالجزائر حكايات يندى لها الجبين)، والمؤرخ محمد حربي وآخرون سيقصصهم على الجزائر تاريخها،..
لقد أوصى الفقيد محمد أركون أن يُدفن بالمغرب ، وإن وصيته ليست مجرد وصية، إنها موقف بالغ الدلالة والرمزية، موقف يحمل رسالة حب وتقدير للمغرب الذي أحبه وقدره ورسالة عتاب للجزائر التي أهملت ذاتها قبل أن تهمل مثقفيها، ورسالة إدانة وتحذير من رسول فكر لأرض أصيب ساستها بكل أنوع الانحطاط.
اعذروني إن بحت لكم بمشاعري وأنا أخط هذه السطور، لقد انتابني إحساس بالبكاء، وأنا أكتب عن هؤلاء كنت أحاول أن أتخيل كيف قضوا حياتهم؛ كيف قضى مصطفى حياته في زمن مغلق مشحون بالتآمر والشك والغموض والجرائم؟ وكيف أدى كريم دورا إجراميا في حق أناس لم يؤذوه، وكيف اغتالت المافيا إنسانيته، وكيف يحاول، اليوم، الانتصار لإنسانيته المهدورة؟ وكيف عاش مفكر كبير محروما من بلده ومحاصرا بفتاوى أثبتت الأيام أنها كانت وبالا على الإسلام والمسلمين؟ إنه صراع بين ذهنيات مفرطة في الهمجية وبين جبهة تذود على أسوار المغرب الكبير، المغرب الدموقراطي والمدني والإنساني، قبل أن يسقط في فوضى لن تحمد عقباها؛ ...
ثلاثة أحداث عبَرَت هذا الصيف، ولكنها لم تعبره إلا لتقيم في الزمن المغربي الجزائري المعطوب، ولتضع السياسة الجزائرية أمام مرآة التاريخ حتى ترى نفسها على حقيقتها علها تسارع إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه، وذلك من عزم الأمور.
يتبع
Puisqu'on joue à publier des articles à "sensation", allons-y ?[/size]
[size=18]سعيد هادف
الحوار المتمدن - العدد : 3157 - 2010 / 10 / 17
المحور : اليسار, الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي [/color]
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
مر هذا الصيف حافلا بالأحداث والكوارث، وما يمكن تسجيله
على هامش هذا الصيف الخلل الذي طبع المنظومة الإعلامية العالمية في تعاطيها مع بعض الأحداث؛ وهو خلل ليس بجديد، غير أن هذا الصيف كشف عن عطب هذه المنظومة وعدم مصداقيتها ونزاهتها وحيادها. المنظومة الإعلامية العالمية انكشفت عورتها انكشافا فاحشا لم تفلح في إخفائه أو تبريره.
أحداث شتى كان لمنطقتنا المغاربية قسط وافر منها، وهي بلا شك، تؤشر على تطورات عميقة سيعرفها المستقبل.
وأهم الأحداث التي استرْعَت الرأي العام المغاربي، وبشكل خاص، المغربي والجزائري، موقف مصطفى سلمة ولد سيدي مولود المفتش العام لشرطة البوليساريو، وهو موقف نوعي في مسار النزاع حول الصحراء؛ موقف أخلاقي لا يمكن وصفه إلا بالشجاع، وموقف سياسي ينم عن همة وتبصر، وكل من أراد أن يصنفه خارج هذا الإطار الأخلاقي، فهو والحالة هذه، يرفض أن يكون لقضية الصحراويين حل عاجل ولا آجل ولم تعد تعنيه مآسيهم ومعاناتهم. إن مقاطعة الصحافة الإسبانية لندوة السيد مصطفى لا تعبر عن المأزق السياسي الإسباني أمام تطور الأحداث فحسب، بل عن موقف يرفض حتى الإصغاء إلى صوت من يعنيهم الأمر، وهي بالتالي ترجمت من حيث لا تدري، تهافت موقفها وقوة موقف السيد مصطفى سلمة؛ أما الجزائر فبدون تعليق.
الحدث الثاني صنعه كريم مولاي عميل المخابرات الجزائرية، وقد أثارت اعترافاته جدلا كبيرا كما خلّفت صمتا رسميا عميقا، وبلا شك، ورغم الصمت الجزائري الرسمي، فإن هذه الاعترافات قد أحدثت زلزالا في الوسط الاستخباراتي والسياسي؛ وهذه الاعترفات لم تكشف جديدا، ولكنها أكدت ما راج منذ سنوات حول ضلوع بعض الفاعلين بالمخابرات في الأعمال الإرهابية، وهذا إن دل فعلى إفلاس السياسة الجزائرية وجوهرها المافيوي المعادي لمصالح الشعب الجزائري والمغاربي. ويبقى هذا الاعتراف ظاهرة صحية مهما كانت خلفياته وأسبابه.
الحدث الثالث صنعه المفكر محمد أركون الذي لم يزر الجزائر منذ ملتقى محيي الدين بن عربي بمدينة وهران سنة 1991، في تلك الأثناء، وفي حوار أجرته معه الجمهورية الأسبوعية، عن سؤال حول الغربة أجاب: "كلما أحسست بالغربة وآلامها، أقعد وأتأمل مليا تجربة عظيمة لرجل عظيم، وهي تجربة الرسول عليه السلام، هجرته من مكة إلى المدينة، أتأمل تلك التجربة التاريخية الكبيرة، وأعود لأتنفس من جديد وأطرد عن نفسي أسباب القلق (...) صحيح أنه عاد إلى مكة فاتحا ولكن فضل العيش بقية عمره في المدينة وقد قال في ما معناه "لا خير في أرض تطرد أبناءها...". إن محمد أركون الذي اختار الهجرة بعد الاستقلال لم يمثل حالة استثنائية فهناك كثير غيره وعلى سبيل المثال لا الحصر، جمال الدين بن شيخ والروائي محمد ديب (عاش بأوروبا ومات بها وأوصى أن يدفن في باريس)، والشاعر مفدي زكريا ومصالي الحاج وفرحات عباس (هؤلاء ماتوا في المنفى، ولدفنهم بالجزائر حكايات يندى لها الجبين)، والمؤرخ محمد حربي وآخرون سيقصصهم على الجزائر تاريخها،..
لقد أوصى الفقيد محمد أركون أن يُدفن بالمغرب ، وإن وصيته ليست مجرد وصية، إنها موقف بالغ الدلالة والرمزية، موقف يحمل رسالة حب وتقدير للمغرب الذي أحبه وقدره ورسالة عتاب للجزائر التي أهملت ذاتها قبل أن تهمل مثقفيها، ورسالة إدانة وتحذير من رسول فكر لأرض أصيب ساستها بكل أنوع الانحطاط.
اعذروني إن بحت لكم بمشاعري وأنا أخط هذه السطور، لقد انتابني إحساس بالبكاء، وأنا أكتب عن هؤلاء كنت أحاول أن أتخيل كيف قضوا حياتهم؛ كيف قضى مصطفى حياته في زمن مغلق مشحون بالتآمر والشك والغموض والجرائم؟ وكيف أدى كريم دورا إجراميا في حق أناس لم يؤذوه، وكيف اغتالت المافيا إنسانيته، وكيف يحاول، اليوم، الانتصار لإنسانيته المهدورة؟ وكيف عاش مفكر كبير محروما من بلده ومحاصرا بفتاوى أثبتت الأيام أنها كانت وبالا على الإسلام والمسلمين؟ إنه صراع بين ذهنيات مفرطة في الهمجية وبين جبهة تذود على أسوار المغرب الكبير، المغرب الدموقراطي والمدني والإنساني، قبل أن يسقط في فوضى لن تحمد عقباها؛ ...
ثلاثة أحداث عبَرَت هذا الصيف، ولكنها لم تعبره إلا لتقيم في الزمن المغربي الجزائري المعطوب، ولتضع السياسة الجزائرية أمام مرآة التاريخ حتى ترى نفسها على حقيقتها علها تسارع إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه، وذلك من عزم الأمور.
يتبع
Puisqu'on joue à publier des articles à "sensation", allons-y ?[/size]